الأحد، 11 أبريل 2010

المشروع الإسلامي سمفونية بقاء في وجه التحديات /الجزء الأول

طويلة تلك المعارك التي خاضها الإسلاميون في سبيل إثبات الذات والدفاع عن النفس ونيل المشروعية بل وانتزاعها من الأنظمة العلمانية المستبدة الجاثمة على صدورنا ،
حيث واجه الإسلاميون منذ اللحظة الأولى حربا ضروسا لإقتلاع جذورهم ، استخدم فيها الطرف الآخر كل الأسلحة القذرة ،
بدات من استخدام القوة ضد رؤوس هذا المشروع ونواته ، مرورا بحروب اسنزاف الموارد والطاقات ، وانتهت بالإفتراءات والأكاذيب والحرب الإعلامية وحملات التشويه وافتعال الأزمات ،
لإحداث خلخلات هنا أو هناك ، والعمل على إحداث ازمة ثقة بين أصحاب هذا المشروع ،
وبلأحرى ازمة ثقة بين قياداته وقواعده ، كل هذه الحروب والمعارك ومازال المشروع قائما راسخا بل ويقوى ويزداد يوما بعد يوم،
الأمر الذي قد يصل بأعداء هذا المشروع للجنون من قدرة هذا المشروع على الاستمرار والتواصل رغم كافة الحملات الشرسة التي توجه له بين الحين والآخر ،
حتى أصبحت هذه الظاهرة مثار تساؤلات الجميع ،
فما السر في بقاء واستمرار هذا المشروع رغم ما يتعرض له من حملات إستئصال ؟، وتفاوتت الإجابات بين المثقفين والمفكرين وصناع القرار والمراقبين واصحاب الرأي ،
حتى وصل المطاف بالبعض لنسبة هذا البقاء لدعم خارجي إيراني وغيره ،
ووانساق البعض وراء احتمالية دعم غربي لهذه المشاريع لمصلحة يراها هو مرجحة في عقله القاصر تمثل كما يدعي نقاط التقاء بين الطرفين ، والبعض ربط المشروع الاسلامي بالمشروع الصهيوني الذي يحاول اضعاف الأمة وهذا الرأي وسابقه من أغبى ما قرأت من الآراء ، إذ يستند في دعواه على مجرد توهمات واهية ،
وكل هذه الاستنتاجات الغريبة ،
قد تكون ناتجة عن عدم وعي كامل بالتجربة و المشروع الإسلامي ، أو عن تحامل ومحاولة تشكيك وطعن لإرهاب الناس وتبرير القمع ضد اصحاب هذا المشروع ،
لكنني هنا أردت الإجابة عن بعض تلك التساؤلات لكي يعي من أراد يعي الحق وطريقه.
- سر البقاء :
المشروع الإسلامي في العصر الحديث ، لم ينشأ كردة إرتجالية لسقوط الخلافة كما يزعم البعض ،
نعم نتفق معهم في توصيف مرحلة البداية بانها كانت كردة فعل ، لكن أرى من الحماقة وصمها بالإرتجالية ،
لأن المسألة أكبر من ذلك ، فالمشروع الإسلامي كان نتاج ومحصلة اجتهادات ورؤى كثيرة ،
رات تلك الاجتهادات الهوة التي وقعت فيها الامة آن ذاك ، من سقوط للخلافة ،
وحاولت تلك الرؤى مراجعة ومعالجة أسباب السقوط من تخلف عقائدي ، وتخلف علمي وتخلف ثقافي وحضاري ،
وتراجع سياسي ، وكانت كل رؤية تحاول توصيف الحالة ومعالجتها ،
وهذه المرحلة أخذت جهدا كبيرا سواء على مستوى الفكر أو على مستوى التجارب ، لكن تعددت جميع الأجتهادات في تلمس مواطن الداء وكثير من تلك الرؤى ظل في حكم الرؤى الإصلاحية دون أن تتحول لمشاريع،
ودعونا نتوقف قليلا لنرى الفرق من وجهة نظري بين الرؤية والمشروع:

فالرؤية: تبقى مجرد تصور فكري للإصلاح ، لكنها تبقى في طور عالم الأفكار والنظريات وإن تبعها تحرك بسيط
.أما المشروع : فهو ترجمة تلك الرؤى الى مشاريع محددة الأهداف والغايات والمراحل والأولويات والوسائل .

وتبقى الرؤية محصورة في الطبقات النخبوية ،
لكن على الطرف الآخر يدمج المشروع جميع طبقات الأمة للمشاركة في هذا المشروع وتحويل هذه الرؤية الى واقع ملموس وليس بالضرورة أن يعي جميع المشاركين في المشروع جميع أبعاد تلك الرؤية
.
ومن هنا كانت التشخيصات لأسباب السقوط الأول كثيرة ، فمن مدرسة محمد عبد الوهاب التي رأت أن الإصلاح إعتقادي بالدرجة الأولى ،
ومدرسة محمد عبده التي إرتأت أن الإصلاح تربوي بالدرجة الأولى ، ومدرسة الأفغاني التي كانت ترى الإصلاح يكمن في إصلاح النظم والسياسات وما يمكن أن نسميه بالإصلاح السياسي،
كل هذه المدارس شخصت الداء من وجهة نظرها الخاصة ، وبقي التحرك في إطار تلك الرؤى نخبويا بامتياز ،
الى أن جاء الأستاذ البنا ودمج كل تلك الرؤى في نظم فريد وحولها الى مشروع اسلامي كبير ،
ولك أن تعجب من مقدرته على الجمع بين كل تلك الرؤى لكن كتابته توضح مدى تأثره بكل تلك المدارس ،
ومحاولة أيجاد صيغة تجميعية واطار توافقي لكل تلك الرؤى ، ومن هنا تكمن قوة المشروع الإسلامي الإصلاحي ، فهو ليس مشروع إصلاح سياسي فقط وان كانت السياسة جزء منه ،
ولا هو مشروع اصلاح اجتماعي وتربوي وان كانت التربية جزء منه ،
وليس هو بحركة تجديد إعتقادي فقط وان كان تصحيح الاعتقاد من وسائله .
هذه التوليفة القوية جدا حولت المشروع الإسلامي إلى حقيقة مهمه أنه ولد ليبقى ويستمر مهما كانت الظروف التي تحيط به.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق