الاثنين، 12 أبريل 2010

المشروع الاسلامي سمفونية بقاء في وجه التحديات /الجزء الثاني

ان ارتباط المشروع الاسلامي بفكر الامام محمد عبده ، وكذلك بفكر الافغاني لا يحتاج الى كبير جهد لإثباته ،
إذ ان دعوة الامام حسن البنا ومشروعه ماهو الا التتطور الطبيعي والابن الشرعي لمسيرة هذين الامامين ، لأنهما يلتقيان في جوهر الفكرة
فهذا الامام محمد عبده يقول : ((لكن الاسلام دين وشرع ، فقد وضع حدودا ورسم حقوقا ، وليس كل معتقد في ظاهر امره بحكم ....الى أن قال : (فلا تكمل الحكمة من تشريع الأحكام إلا اذا وجدت قوة لإقامة الحدود ، وتنفيذ حكم القاضي بالحق ، وصون نظام الجماعة ، وتلك القوة لا يجوز أن تكون فوضى في عدد كثير ، فلابد أن تكون في واحد وهو الخليفة ) انتهى كلامه.؟
والكلام هنا واضح في ربط الدين بالحكم والسلطة ، ولنا أن نعجب من من طار بهذا الامام من العلمانيين ، ووصفوه بالعقلاني والمستنير ، ويدفن كلامه هذا ولا يلتفت له أحد؟؟ أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟؟ ، لكنها سياسة عهدناها من أعداء هذا المشروع الاسلامي العظيم ، لكن يبقى هناك تسائل لماذا لا يهاجم هؤلاء الامام محمد عبده في كلامه هذا كما هوجم الامام البنا؟؟ والجواب : أن كلام الإمام محمد عبده بقي في إطار الرؤية التي عرفناها سابقا ، ولم يتحول لمشروع حركي تطبيقي وبالتالي فضرره على العلمانيين ضرر لازم غير متعدي وان تعدى فيسهل التحكم به ، أما في حالة الامام البنا فالأمر مختلف تماما فقد نجح الامام البنا في تحويل أقواله ورؤاه الى مشاريع وأفعال تتكلم وبالتالي فالضرر هاهنا متعدي ، وهو مالا يروق لمراهقي العلمانية وجهابذتها على حد سواء ، و ليس هذا الكلام بخسا لا سمح الله من مكانة الشيخ محمد عبده فظروف مرحلته كانت تأسيسا لمن يريد التحرك بعده ، لكن رؤية الإمام البنا كانت أكثر وضوحا ودقة في ترسيم علاقة المسلم بالسياسة وممارستها ، نلمس ذلك جليا في إحدى رسائله حيث يقول رحمه الله: (إن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسيا بعيد النظر في شؤون أمته ، مهتما بها ، فالمسلم مطالب بحكم إسلامه أن يعنى بكل شئون أمته ) انتهى كلامه ،

فكما نرى اشترط الامام البنا للمسلم الذي يريد اكمال اسلامه ، الاهتمام بالأمور السياسية ، فالدين عنده لا يعترف بالانعزاليين ، ولا بانصاف المسلمين ، فرؤية الامام البنا للإسلام أنه شامل كامل ، ولا يمكن بحال تجزئته ، وإن كل المحاولات من مراهقي العلمانية ومن ورائهم لثني هذا المشروع عن الممارسة السياسية إنما هي محاولة خبيثة لضرب فكرة هذا المشروع من جذوره ، إذ أن أكذوبة الفصل بين الدعوي والسياسي التي يروج لها في الاعلام وكأنها مطلب قومي مصري ، ماهي الا للإلتفاف على أصول هذا المشروع ، غذ انه لو أمكن الفصل بين السياسي والدعوي حركيا ، ،فإنه بالإمكان فصل الشرع عن الحكم بديهيا ، وبالتالي إسقاط آخر الحصون التي طالما كانت حامية لشمول الاسلام وحامية لما تبقى في المادة الثانية في الدستور من اسلام وان كان صوريا ، إن دعاوى المواطنة ودعاوى الوطن الواحد الذي يسع الجميع ،إنما هي دعوى حق أريد بها باطل ، وإن الصحوة العلمانية الحديثة التي يقف ورائها راعيا وممولا وداعما الحزب الوطني ورجالاته ، ماهي إلا رقصة الموت على ما تبقى من أوهام العلمانية في القضاء على مشروع إسلامي كبير ، استمرت مسيرة هذا المشروع لأكثر من 85 سنة واجه فيها كافة التحديات ، وكافة العقبات ، عزف طوال تلك المسيرة سمفونية بقاء من أجمل ماعزف التاريخ لرجاله ،في وجه كل التحديات والصعاب ، استفاد من الأخطاء وعزز النجاحات .
لكن يبقى أكبر تحدي يواجه هذا المشروع هو من داخله ، ولعلكم لمستم في حديثي أني تجنبت الحديث عن تحديات القمع والقهر ؟؟ لأنها لا تعتبر تحديات لأصحاب الدعوات وإنما هي علامات على الطريق تخبرهم أنهم على الجادة ، كما تعتبر وسيلة من وسائل تربية الصف وإن كانت غير مطلوبة بذاتها ، لكني ركزت على التحديات والمواجهات الفكرية ، لأن الفكرة هي المحرك لكل ما ياتي بعدها ، أما بالعودة لتحديات الداخل التي تواجه مشروعنا الاسلامي العظيم ، فهي الحفاظ على كينونة الصف وترابطه ، وتحصينه فكريا وثقافيا وتربويا ، والقدرة على الإرتقاء به لمواكبة كل جديد مع الحفاظ على اصالة هذا الصف ، وتكمن الصعوبة في اتساع رقعة أتباع هذا المشروع ، والأتساع معناه تنوع و التنوع ناتج بالضرورة عن إختلاف والإختلاف قد يؤدي الى خلاف والخلاف إن لم يضبط يؤدي الى دمار الفكرة ، وبالتالي فقدرة المشروع الاسلامي على ضبط خلافاته وتوظيف التنوع بداخله تبقى المهمة الكبرى لقيادات هذا المشروع ، لأننا لا نريد في الواقع نسخا مكرره ، ولكن نريد تنوع تكاملي يساهم في الرقي بهذا المشروع ، وطبيعة المشروع الإسلامي تسمح بهذا التنوع لأن النظرة الشمولية للإسلام أساس لهذا التنوع .

بقي أن نقول أن كل محاولات الاستئصال والهدم باءت بالفشل والدليل بقاء هذا المشروع شامخا صامدا ويخرج من كل محنة أقوى مما كان ، لكن بقي على كل من يريد مصلحة الامة المصرية التعامل مع المشروع الاسلامي وأبنائه على أنهم جزء من حركة الكفاح المصري والنظر اليهم على انهم اسهام في نمو الوطن والتحاور معهم في المسائل الخلافية ، وترك اساليب النبش في القمامة ، والضرب تحت الحزام ، لأن المسيرة ستمضي فليذكركم التاريخ بحير ، وإن أبيتم فالله متم نوره ولو كره المجرمون .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق